مداخلة السيدة ايمان حسايني بمناسبة يوم القدس العالمي
29 رمضان 1433 – 17 أوت 2012
القدس في عيون الشيخ محمد صالح النيفر
اعداد : الصحفية والباحثة الجامعية
ايمــــــــــــان حسايـنــــــــــــي
1. نشاطه كزيتوني من خلال "جامع الزيتونة المعمور"
2. نشاطه كنقابي من خلال "هيئة العلماء لأساتذة الجامع الأعظم وفروعه"
3. نشاطه كجمعياتي من خلال "جمعية الشبان المسلمين"
1- نشاطه كزيتوني
بدأ الشيخ محمد الصالح النيفر مشواره النضالي ضد الصهيونية داخل "جامع الزيتونة" المعمور فكان مدعما ومشاركا لكل التحركات الزيتونية لطلبة وأساتذة الجامع الأعظم الذين سجل لهم التاريخ مواقف مشرفة في دعم القضية الفلسطينية و التصدي للمد الصهيوني ومن أهمها :
· دعم القضية الفلسطينية 1934 وانقسام جامع الزيتونة إلى مجموعتين الأولى طالبت بالاضراب العام والتبرع بالمال والثانية معتدلة اختارت الصيام والتبرع بالمال واختار الشيخ محمد صالح النيفر الشق المعتدل وكان من أبرز الناشطين فيه ودعم لجنة الطلبة الزيتونين(1)
· الاحتجاج والتصدي للباخرة اليهودية "سارة 1" التي رست بميناء حلق الواد 31 ديسمبر 1937 وعلى متنها طلبة و ضباط يهود ونجحوا في إلقاء محاضرة كان سيلقيها ربان السفينة ب"دار الرابطة الاسلامية"
· تظاهر قرابة 400 طالب وشيخ زيتوني 1 جانفي 1931 ضد عرض الفلم الصهيوني "أرض الميعاد بقاعة الكوليزي مما اضطر السلطات الفرنسية بإلغاء الفلم و تفريق المتظاهرين بالقوة خوفا من وقوع مناوشات(2)
2- نشاطه كنقابي
لم يكتف الشيخ محمد صالح النيفر بالتحرك و النشاط دعما للقضية الفلسطينية داخل جامع الزيتونة فحسب بل جند نشاطه النقابي الذي فتح له سبيلا في مقتبل شبابه بتأسيسه مع ثلة من الزيتونين "هيئة العلماء لأساتذة الجامع الأعظم وفروعه" سنة 1933 والتي عين عليها شيخا من كبار الشيوخ العائلة النيفرية وهو الشيخ ابراهيم النيفر، في الوقت الذي شغل شيخنا خطة كاتب عام ثاني نظرا لصغر سنه(3).
وقدمت هذه الهيئة سنة 1945 في الذكرى المؤلمة لوعد بلفور عريضة إلى الأمير محمد الأمين باشا باي صاحب المملكة التونسية تحتج فيها على ممارسات الحزب الصهيوني ضد عرب فلسطين وعلى تدنيسهم لهيكل من هياكل الشعائر الدينية الإسلامية وهو ثالث الحرمين الشريفين بمساندة من قادة السياسة بالعالم.
وطلبت هيئة العلماء في هذه العريضة من الأمير التدخل لتأييد عرب فلسطين والدفاع عن الحرم المقدس، خاصة وأن الجالية اليهودية تعيش في تونس منذ أربعة عشر قرنا وتتمتع بجميع حقوقها الدينية والمدنية والسياسية(4).
وهو مايؤكد وعي الزيتونين في هذه المرحلة بضرورة مساندة السلطة ودعمها للمواقف الشعبية والتحركات الميدانية نصرة لفلسطين المحتلة.
3- نشاط الشيخ الجمعياتي
حققت "جمعية الشبان المسلمين" برئاسة الشيخ القيادي محمد صالح النيفر نجاحا باهرا ميدانيا وعمليا في نصرة القضية الفلسطينية حتى بات دور "لجنة إغاثة فلسطين" التابعة للحزب الحر الدستوري التونسي باهتا مقارنة بهذه الجمعية الفتية(5) التي استطاعت بصدق مسيريها والقائمين عليها أن تغلغل في الأوساط الشعبية وتحظى بتأييد جماهيري كبير ساعدها فيما بعد على التصدي للمساعي الصهيونية ومساندة القدس المحتلة عبر مراحل محكمة التنظيم
· أسست جمعية الشبان المسلمين بمساندة طلبة الجامعة الزيتونية وتأييد أساتذته خاصة الشيخ الشاذلي بالقاضي "لجنة الدفاع عن فلسطين العربية" و"فرع المؤتمر الاسلامي بتونس لحماية القدس الشريف"(6)
· جندت الجمعية ناشطيها للدعوة الى نصرة القضية الفلسطينية عن طريق الخطب في المساجد والمقالات الصحفية وجمع التبرعات المالية، ولم يكن هذا النشاط خاصا بتونس العاصمة فقط بل امتد على كامل تراب الجمهورية عن طريق الفروع التابعة للجمعية أو التابعة للجامعة الزيتونية كفرع القيروان ومساكن ونفطة.
وخير دليل على نجاح الشيخ القيادي محمد صالح النيفر في تجييش الجماهير الشعبية ضد المد الصهيوني قدرة "جمعية الشبان المسلمين" على انجاح العديد من الاضرابات العامة مثل اضرابي مساكن وطبربة احتجاجا على التقرير الذي أصدرته اللجنة الأنقلو-أمريكية 1946 عقب التحقيقات الميدانية التي قامت بها في فلسطين وهو ما أثبتته الوثائق العامة للحكومة التونسية(7).
تعامل جمعية الشبان المسلمين مع القضية الفلسطينية بصرامة ووضعها ضمن أولوياتها أثار حفيظة أغلب العناصر القيادية للحزب الدستوري الجديد اللذين خشو أن تأثر القضية الفلسطينية على النضال المحلي ضد فرنسا
· بعد قرار تقسيم فلسطين الصادر عن "الجمعية العامة للأم المتحدة" 29 نوفمبر 1947 دخل جامع الزيتونة وفروعه في اضراب عام، ودخلت "جمعية الشبان المسلمين" أيضا بقيادة الشيخ محمد صالح النيفر مرحلة جديدة من نضالها ضد الكيان الصهيونيه فقد كانت كعادتها سباقة في تلبية نداء الوحدة لنجدة القدس الشريف ونصرة الشعب الفلسطيني بالتطوع للقتال على أراضيها
· أسست تنظيما جديدا أسمته "اللجنة العليا للدفاع عن فلسطين العربية" والذي قام بدور كبير في تأطير عملية التطوع الى جانب عديد الجمعيات ثقافية والحزب الدستوري التونسي
إلا أن دور"جمعية الشبان المسلمين" كان الأهم والفاعل في عملية التأطير لاحتوائها 140 فرع في كامل تراب الجمهورية وهو ما ساعدها على الوصول الشرائح في مختلف الجهات، ليصل عدد المتطوعين في 30 ماى 1948 حسب مصالح الاستعلامات 2676 متطوعا وهناك مصادر ثانية تقول أن العدد وصل 3000 متطوع
وهي نسبة مرتفعة جدا مقارنة بالمغرب العربي، فالجزائر 110 متطوعا والمغرب لم تتجاوز 25 متطوعا(9).
وكما كان جامع الزيتونة منارة للإسلام في شمال افريقيا وبوابة العبور الى الاندلس من خلال الفتوحات، كان أيضا بوابة العبور الى بيت المقدس من خلال عيون الشيخ محمد صالح النيفر.
حاولت السلط الفرنسية عرقلة المتطوعين كنصبها كمين قاتل قرب"قرية القطار" بالجنوب التونسي لفلاقة "زارمدين" المناضلين اللذين اشتهروا بغاراتهم الشرسة ضد المستعمر الغاشم كما تم مطاردة المتطوعين بالرصاص من قبل الفرنسيين والبريطانين وعملائهم في ليببا ومصر خاصة.
وبالرغم من كل هذه المعاناة احتج الأبطال على ترحيلهم من مرسى مطروح إلى القاهرة و اضرموا النار في القطار احتجاجا على منعهم من الالتحاق بجبهات القتال بفلسطين(10)
ورغم المرارة التي لحقت ببعض المجاهدين من ظلم الإخوة المصريين وقسوة الإنجليز عند الترحيل إلا أن هناك عددا كبيرا -لم تتوصل المصادر التاريخية الى تحديده- وصل الأراضي الفلسطينية.
و يذكر المقيم العام "مونس" في تقريره الموجود في أرشيف الإقامة العامة 15 جويلية 1948 أن الفرقة الأولى التونسية الطرابلسية تمكنت فعلا من بلوغ بيت لحم ودخلت في معارك خلال النصف الأول من شهر جوان مع القوات الصهيونية واستشهد من التونسيين 11 متطوعا كما تذكر مصادر أخرى أن هناك من سقط في ساحات الشرف على أراض فلسطين و منهم علي بن صالح التونسي (استشهد بيافا 28 أفريل 1948) و عبد الحميد الحاج سعيد وبلقاسم عبد القادر ومحمد التونسي واستشهد أحمد ادريس قرب مستعمرة "راحات رحيل" 21 أكتوبر 1948(11)
والقائمة تطول لأبطال لبُو نداء القدس الشريف وسقو بدمائهم أرضا طاهرة لنا فيها "ميعاد"
Ø إن هذا العمل الجليل الذي قامت به جمعية الشبان المسلمين التي غطت بفروعها كامل تراب الجمهورية وعرفت اشعاعا وطنيا وعربيا واسعين، واستطاعت بفضل الشيخ القيادي محمد صالح النيفر أن تتوغل داخل مختلف شرائح المجتمع وتكون قاعدة جماهيرية كبيرة مكنتها من قدرة عجيبة على المساهمة في نصرة القضية الفلسطينية و تجنيد الشباب للدفاع عن الأراضي المحتلة والذي قد يكون من بين الأسباب التي أزعجت السلطات الفرنسية و الحزب الدستوري التونسي منها على حد السواء، فالأولى حاولت الحد من توسع الجمعية وبعثها فروع جديدة وكان أقصى ما استطاعت فعله التجسس ورصد تحركات الشيخ محمد صالح النيفر بين الفروع عبر تقارير المسؤولين في الجهات، أما الحزب الدستوري التونسي فقد كان يشعر بخطر المنافسة من جمعية الشبان المسلمين لا على المستوى السياسي بل على المستوى الاجتماعي وذلك لنشر الجمعية لإيديولوجيا إسلامية تتعارض مع الرؤية السياسية للمجتمع بعد الاستقلال .
لذلك وإثر الاستقلال وخروج فرنسا افتكت الحكومة الجمعية وتم حلها وعينت على إدارة مدرسة البت المسلمة مديرة يهودية مما أجبر الشيخ القيادي على السفر إلى الجزائر والإقامة هناك مدة سبع سنوات.
أتمنى أن أكون قد قدمت في هذه المداخلة ولو القليل من حق الشيخ القيادي محمد صالح النيفر الذي أعطى لتونس و العالم العربي الكثير، وكان التاريخ معه جحودا جدا، لكني أراهن على الباحثين أصحاب العقول الحية المتقلبة التي تؤمن أنه كما ولَى زمن الرئيس الواحد فقد ولَى أيضا زمن العالم الواحد والقيادي الواحد و المناضل الواحد.
وأقول ختاما :
"ليس الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
إن الرزية فقد حر بموته يموت بشر كثير"
المراجع
(1)الصغير علية، (عميرة) في التحرر الاجتماعي و الوطني، فصول من تاريخ تونس المعاصر، المغاربية للطباعة والإشهار، تونس 2010، ص 163.
(2)نفس المصدر، ص 164.
(3)وثيقة خاصة بالشيخ محمد صالح النيفر موجودة بحوزة عائلته
(4)المجلة الزيتونية – دار المغرب الإسلامي، المجلة 6 و7، ص 474-475
(5) التيمومي الهادي، النشاط الصهيوني بتونس 1897-1948- دار محمد علي الحامي ط 2 تونس 2001، ص 184
(6) نفس المصدر، ص 184
(7)وثائق عامة للحكومة التونسية سلسةA ص 289 ملف 8 وثيقة 11،12 عن (نفس المصدر، ص184-185)
(8) الصغير علية، عميرة ، ص 167- 168
(9)التيمومي الهادي، ص186 عن Histoire du mouvement national Tunisien
(10)SRAIEB, Les réactions tunisiennes à la guerre de la Palestine de 1948 dans: les relations entre le Maghreb et le Machrek: des solidarités anciennes aux réalités nouvelles, cahier N°6, Paris, CNRS (colloque d’Aix en Provence 1981).
(11) التيمومي الهادي، النشاط الصهيوني بتونس، ص 187-188.