مداخلة السيد شهاب الدين النيفر بمناسبة يوم القدس العالمي 29 رمضان 1433 – 17 أوت 2012
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن أحداث تاريخنا المعاصر أكدت بصفة واضحة أن ألد أعداء الإسلام بصفة خاصة و أعداء الإنسانية بصفة عامة هم الصهاينة و شركاؤهم.
مع أنهم أقلية فقد هيمنوا على الأغلبية الساحقة من سكان العالم
· باستعمال أقذر الأليات و كل الطرق الإجرامية و الجهنمية و ذلك بالربا و الاحتكار مع عولمة الاقتصاد الذي أصبح ظاهريا عوض أنا يكون حقيقيا .
و بهذه الطريقة سيطروا على العالم المالي الذي أصبح أداة للغنى الباطل و الفاحش لأقلية على حساب الطبقات الكادحة و المنتجة الحقيقية للثروات .
قال الله تعالى في سورة الحشر الآية 7:" كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ "
و قوله تعالى في سورة البقرة الآية276:" يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " صدق الله العظيم
· الاستحواذ على وسائل الإعلام لبث الأخبار الكاذبة و تغليط الرأي العام:
قال تعالى في سورة الحج: " وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ "
· شن الفتن و إحداث الحروب المفتعلة بين المسلمين. كما تمكن الصهاينة من تجنيد رؤساء و حكومات الدول العظمى و أمثالهم في البلدان الإسلامية و الذين أصبحوا مرتزقة في خدمة هذا الكيان بصفة عمياء
و كان جراء تخاذل و خيانة حكام العرب و البلدان الإسلامية احتلال القدس الشريف و الأراضي الفلسطينية.
ومنذ هذا الاحتلال الإجرامي و المنافي لكل القوانين العالمية ,تجاهل حكامنا و بعض أيمة السلاطين و تناسوا أن أمكانية التصدي لهؤلاء الأعداء و من معهم لا تكون ناجعة إلا تحت راية الإسلام و الاستئناس بالوطنية و العروبة .
فبالنسبة للعرب لنا الحق أن نتساءل لماذا تجاهلوا و تناسوا العنصر الأهم لدي شعوبهم و الذي ذكره العلامة ابن خلدون حين قال: "العرب لا يجمعهم إلا الدين... فإدا تركوه فلا جامع لهم"
إن حكامنا أخطئوا في حق دينهم و في حق شعوبهم بهذا التجاهل و التناسي لأن مناعة شعوبهم تكمن في تشبثهم بدينهم وهو الإسلام و فهم قيمه العالية و العمل بقوانينه العادلة.
وقع هذا التجاهل و هذا التناسي عمدا لإرضاء القوى الظالمة مقابل زينة الحياة الدنيا.
قال تعالى في سورة الحشر الآية 19 " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " صدق الله العظيم ... فكانت عاقبتهم وخيمة و الأمثلة كثيرة .
نتائج تصرفاتهم أدت إلى هزائم متكررة و مرة, مع خيبة شعوبهم, مولدة فيهم اليأس ومركبات النقص.
و لولا تقوية مناعة شعوبنا من طرف أيمة وشيوخ ملتزمين و شجعان من أبرز علمائنا لانهارت صفوفنا و ذهبت ريحنا بتغرب ديننا في أذهان شبابنا.
ففي هذه الليلة المباركة و الفضيلة من شهر رمضان المعظم و بمناسبة اليوم العالمي للقدس أتيحت لي الفرصة لإحياء ذكرى من كرسوا حياتهم في خدمة الإسلام و محاربة عدونا الأكبر الصهيونية العالمية.
رحم الله رحمة واسعة قائد الثورة الإسلامية الإيرانية و مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني ورحم الله رحمة واسعة رائد الصحوة الإسلامية في تونس قبيل وبعد استقلالها و في الجزائر بعد تحررها من الاستعمار الشيخ محمد صالح النيفر.
وهنا سأذكر قاسمهم المشترك و بعض أقوالهم التي تدل على ذلك
1 إيمانهما بالإسلام كدين لا بديل له و اعتقادهم الراسخ بأن الحماية و النصر لا يكونان إلا من عند الله عز و جل لا غير ما دام عملهما يرمي إلى نصرة دين الله وتعاليمه
قوتهما الروحية كانت مصدر شجاعتهما و جرأتهما للإصداع بكلمة الحق و التصدي للباطل بدون خوف مع كل المخاطر التي مرا بها أثناء تأدية واجبهما المقدس.
أنهما كونا في أوضاع صعبة وخطيرة و حساسة مجتمعاتهما و أهلوهما لتغيير ما بأنفسهم و أعدوهما لمواجهة الطاغوت الداخلي والخارجي بسلاح العقيدة و الثوابت الإسلامية . كما كانا رافضين لكل الدعوات المغرية من القوى العظمى ومن حكام بلادهما و متمسكين بالقناعة وزهد العيش مع التصدي للترهيب.
بالنسبة لهما إن تخلي العلماء عن هذا الدور كان سببا في تخلف مجتمعاتنا
يقول الإمام الخميني :" إن الإسلام يُؤَمِن الحرية و الاستقلال و العدالة "
و يقول الشيخ النيفر:" الشريعة الإسلامية هي كامل نظام المسلم"
2 الدعوة إلى الوحدة و التوحيد مع التحذير من التفرقة و الفتنة يقول الإمام :" إني أدعو عامة المسلمين في جميع أرجاء العالم و الدول الإسلامية أن يتحدوا, فرقوا بين الدول الإسلامية و حتى الحكومات العربية, فإنهم فرقوا بيننا, و خلقوا المعارضة فيما بينهم, و ذلك خشية أن يتحدوا فتنعدم مصالحهم"
و قال الشيخ: " إن تقسيم المسلمين إلى متطرفين و معتدلين, إنما هي لعبة للتخلص من سيطرة قانون الإسلام على الحياة" " سبحانه هيأ لأن يجمع المؤمنين على لسان واحد يتصلون به بقانون الله المحكم, لم يفضل جنسا على جنس أخر"
3 دور العلماء في الدولة الإسلامية و عدم فصل الدين عن السياسة بمفهومها النبيل:
يقول الإمام:" على العالم أن يكون له الدور الهام دون أن يصبح رئيسا للجمهورية, يجب أن يكون له دور الإشراف فإنه بمنزلة المراقب على الشعب و البلاد"
و يقول الشيخ: " و عمل لأن تكون شرائع الله مطبقة من الإنسان نفسه برقابة الله عز و جل, و من هنا نجد قانون الله يطبق بين المسلمين من أنفسهم"
و يقول الإمام:" إن الإسلام أسمى ديمقراطية من كل الديمقراطيات" و يضيف الشيخ:" فكرة الديمقراطية وجدت في المذهب المالكي الذي يقول: نقرر شيئا فإذا وجدنا مخالفه و له دليله نرجع إلى القانون المخالف."
4 راية الإسلام فوق الوطنية و العروبة:
يقول الإمام: « إن ثورتنا إسلامية قبل أن تكون إيرانية, إنها ثورة المستضعفين في أنحاء العالم".
و قال الشيخ محمد الصالح النيفرعند تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية: " و كان من فضل الله على الناس أن بعث جماعة من المسلمين يطاولون الطغاة و الجبابرة فيكبحون من جماحهم بالقوة التي أمر الله المسلمين أن يعدوا منها ما يرهب أعداء الله و أعدائهم. فكان الحدث الأكبر أن قام على أرض من أراضي المسلمين, جمهورية تستمد من الإسلام لحمتها و سدادها" ثم و تسامع مستشرقوهم لقول رسول الله: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"
5 للإمام و الشيخ النيفر نفس الموقف تجاه الصهيونية العالمية و القضية الفلسطينية حيث من خلال مقالاتهم و خطبهم يعتبرون هذه القضية هي قضية كل البلدان الإسلامية, لأن اقتحام بيت من بيوت دار الإسلام يعد اقتحاما لدار الإسلام بكاملها, لذا تحرير الأراضي المسلمة المحتلة و طرد الصهاينة منها واجب مقدس على كل مسلم و مسلمة.
يسعدني في هذا المجلس أن أذكر ما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي كان شاهدا على عين المكان للثورة الإسلامية, معرجا على مقالة كارل ماركس الشهيرة:" يمكننا القول أن الإسلام من هذا العام 1978 لم يكن أفيون الشعوب و بالتأكيد لأنه كان روح عالم بلا روح"
وأتلو قولة هذا الفيلسوف الذي يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين بلغته الفرنسية:
"Disons donc que l’Islam cette année 1978 n’a pas été l’opium du peuple, justement parce qu’il a été l’esprit d’un monde sans esprit"
Michel Foucault
و أختم مداخلتي في هذه المناسبة بالدعوة إلى علمائنا و الراسخين في الدين بأن يخرجوا من صمتهم الرهيب في الوقت الذي تعاني أمتنا من التحريض على الفتنة بصفة عامة و بصفة خاصة بتونس حيث نشاهد كثرة الجدال الفارغ و المريب حول البنود الأساسية في مسودة دستورنا الجديد بينما أنهم يعرفون حق المعرفة أن الشريعة التي أمر الله بها هي كامل نظام المسلم لذا يجب أن تكون الركيزة الأساسية لدستورنا و المرجع الوحيد لقوانيننا كما كانت عليه حتى سنة 1956 رغم المستعمر الفرنسي و قبل مجيء الاستعمار المقنع الذي فوض لبورقيبة سامحه الله , أن الإسلام يصنع الإنسان لذا إن الكيان الصهيوني يحارب الإسلام خشية من الإنسان المسلم و خوفا من انعدام مصالحه , وأن تحرير القدس
و الأراضي الفلسطينية لن يتحقق إلا من خريجي مدرسة الإسلام الحقيقي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي ذكره القران الكريم , قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " و قوله تعالى:" وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ " صدق الله العظيم
إن علماءنا الصادقين و الراسخين في العلم و منهم الإمام روح الله الخميني و الشيخ محمد صالح النيفر, أجمعوا على ما لخصهالشيخ العلامة محمد البشير النيفر المفتي المالكي و إمام جامع الزيتونة و هذا ما قاله في المجلة الزيتونية الصادرة سنة 1374ه – 1955 م – المجلد التاسع في الجزء السادس صفحة 300:
" علم من صفوة ما مضى على وجازته أن الحكومة الإسلامية على ما يقتضيه الكتاب و السنة وجرى عليه عمل المسلمين سلفا و خلفا: حكومة ترتبط بالدين كمال الإرتباط و التلازم بين الصورة و ظلها, و لا يحاول أن يفرق بينهما إلا الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض ..... و أهم فوائد الإبقاء على هذه الصلة بينهما بعد أن علمنا أن الاحتفاظ بما يعد من جوهر الدين, و أن إضاعتها إضاعة للدين و رِدة عنه"