الجامعة الدولية بتونس
والقسم الثقافي بسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس
ينظمان
ندوة علمية بمناسبة يوم القدس العالمي
القضية الفلسطينية
في فكر الإمام الخميني
والشيخ محمد الصالح النيفر
عــنـوان المـداخـلـة :
العتوّ الغربي في فكر
الإمام الخميني والشيخ محمد الصالح النيفر
مظاهره وطرق مقاومته
د.فتحي القاسمي
أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية
تونس في 29 رمضان 1433 هـ/17 أوت 2012
مدخـل
تقترن لفظة عتوّ التي وردت في القرآن سبع مرات([1]) بالاستكبار وتجاوز الحد كما يؤكد صاحب لسان العرب([2]) وارتبط أيضا سوء المصير بتلكم الآيات، فالذين عتوا واستكبروا وتجبروا في أمورهم "أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون" وارتباط العتو بالاستكبار واللجاجة دليل هشاشته وبطلانه وهو ما يكفي لنفور النفوس منه كما في قوله تعالى: "بل لجوا عتو ونفور" وقد أغرانا باتخاذ هذا العنوان للمداخلة تردّد هذه اللفظة في حديث الشيخ الزيتوني محمد الصالح النيفر (1902-1992 ) عن الغرب كما أننا وجدنا مرادفات لها في خطب الإمام الخميني ومقالاته من قبيل الوصاية على الشعوب ونير سلطة الدولة الكبرى....
إنّ تناولهما للعتو الغربي تناولا نقديا حادّا وحانقا أملته المكائد التي تعرض لها المسلمون عبر التاريخ وخصوصا في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين ولا خفاء أن حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة والحرب في أفغانستان وانصباب ظاهرة الحرب ضد "الإرهاب" على العالم الإسلامي وتنامي الحملات المشهّرة بالإسلام والمسلمين وتعاظم الاسلاموفوبيا، من أهم الأسباب التي تدفع المسلمين إلى تنبيه العالم إلى الوجه الآخر للغرب الملوّح بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان.
I- القسم الأول: العتو الغربي في فكر الإمام الخميني :
توطئة :
كان الإمام الخميني شديد الوعي والمواكبة لأشكال كثيرة من العتو والاستكبار التي كانت تمارس من جهة في إيران زمن الشّاه وكان نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل متفاقما وقد طال كل القطاعات، وأخرى مستشرية في العالم وتُجسمها العولمة الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة وكان سلطانها على الشّعوب والأفراد شديدا من جهة أخرى وفي خضمّ هذا الازدحام بين الأضداد سعى الإمام الخميني إلى تقديم حلول بديلة عساها تنقذ الإنسانيّة ممّا تردّت فيه فامتزج لديه النضال السياسي والديني من أجل الإطاحة بالنظام الشّاهي المستبدّ، بالحضّ على تقديم المشروع الإسلامي نقيضا للرأسمالية المتهافتة الجشعة والشيوعية الحادة المتصدعة الأركان ووجد في البديل الإسلامي قارب نجاة للإنسانيّة، يقيها من ويلات ربوبيّة السّوق (Monothéisme du marché) كما يقول روجيه قارودي (Roger Garaudy) ولذلك رصدنا كثيرا من مواقفه على امتداد أكثر من عشرين سنة. إنها تكشف لنا عن مظاهر العتو الغربي وقد سعى جاهدا إلى مقاومة ذاك العتو وقدم البدائل شأنه في ذلك شأن الشّيخ الزيتوني الثائر الشيخ محمد الصالح النّيفر الذي سيرد ذكره في القسم الثاني من هذه المداخلة :
1- مظاهر العتو الغربي في فكر الإمام الخميني :
أ- إنّه مصدر كل مصائب المسلمين :
ما انفكّ الإمام الخميني ينصّص في خطبه ورسائله وأحاديثه الصحفية وكتبه على ضخامة المصائب التي حلّت بالمسلمين من جرّاء تألّب الأعداء عليهم لإخماد أصواتهم ونهب ثرواتهم وعرقلة يقظتهم وكان الشّعب الإيراني في عهد الشاه خصوصا قد لحقه من ذلك ضَيْمٌ لا حدّ له بل إن "جميع مصائب شعب إيران وبقية الشعوب الإسلامية إنما مصدرها الأجانب المستعمرون وخاصة الأمريكان وأن شقاء الدول الإسلامية إنما هو بسبب تدّخل الأجانب في مقدراتها وشؤونها وأن الأجانب هم الذين ينهبون ثرواتها الطبيعية الهائلة"([3]).
ولا يعني ذلك أن السبب الأوحد لهذا التجنّي موقوف على الغرب وإنما استطاع الغرب توظيف عملائه وأبواقه لتمرير أهدافه الظاهرة والباطنة، فقد استعان المستعمرون "بعملاء لهم في بلادنا من أجل تنفيذ مآربهم الاقتصادية الجائرة فنتج عن ذلك أن يوجد مئات الملايين من الناس جياعا يفتقدون أبسط الوسائل الصحية والتعليمية وفي مقابلهم أفراد ذوو ثراء فاحش وفساد عريض"([4]).
ولا تقتصر الإدانة على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإنما تطال الصين والاتحاد السوفياتي وكذلك بريطانيا ويعتبر الإمام الخميني التصدّي لهؤلاء جميعا وإحباط ما يخططونه، ضرورة لابدّ من الوعي بها وقد باح بذلك للزعيم الراحل ياسر عرفات في رسالة بعث له بها سنة 1979 ومما ورد فيها "أن الصين الحمراء ذات الشعارات الثورية وأمريكا النموذج العالمي لاستغلال الشعوب والسوفيات منبع الدّجل والكذب وبريطانيا العريقة في استعمار الشعوب، يتكاتفون مجتمعين على قمع أمّة ناهضة تسعى لاستقلالها وعدم انحيازها للشرق أو الغرب"([5]).
وقد تدعّم دور الغرب في اتجاه عيثي مخاتل جنّد له العاملين بوفاء، للكيد للإسلام والمسلمين ففي هذا العصر "بثّ الاستعمار أذنابه في أرجاء العالم الإسلامي ليعملوا تحت شعارات برّاقة وأحيانا تحت شعار الإسلام نفسه من أجل إبعاد تعاليم القرآن وثقافته عن الواقع العملي "([6])، ولا خفاء أن تلك الحملات كان لها دور جبّار في التآمر على هويّة الشعوب الإسلامية وفي ظهور أنماط من الاستلاب الثقافي والفكري ولذلك ظلّ الإمام الخميني مراهنا على الهويّة والذاتيّة الإسلاميّة حاثّا على الاستمساك بهذه العروى الوثقى اتّقاء التلاشي وضياع الشخصية.
ب- الدعوة إلى فصل الدّين عن الدولة وألْيَكَة السلطة :
لاحظ الإمام الخميني أن الدعوة الصادرة من الغرب لفصل الدين عن الدولة هدفها عزل الإسلام عن الحياة العملية للناس وأنه قاصر عن إدراك ذلك، ونعت الإمام الخميني هذه الدعوة بأنها "الفاجعة العظمى"([7]) ولا يخفى أن نجاح هذا الشعار في الغرب وتراجع دور الكنيسة التي كانت أولى ضحاياه قد أغرى كثيرا من دعاة العلمنة([8]) والأليكة([9]) والوضعنة([10]) ومن اتبعهم من أهل الشرق بسحبه على الشريعة الإسلامية.
لقد نُكب العالم الإسلامي عبر العصور بفئتين من المسلمين كان لهما الدور المدمر للإسلام والمسلمين فالفئة الأولى أساءت استخدام الدين فـ" ضللت المؤمنين به"([11]) ولاشك أن ما قام به المشككون ممن أساؤوا استخدام الدين متشابه بصرف النظر عن الزمان والمكان ولكن فكرة التضليل والتلبيس تظل مقصدا قائما، وأما الفئة الثانية فإنها "أتقنت استغلاله"([12]) ويستوي في ذلك الحكام المستبدون الذين اتخذوا الدين مطية لإضفاء الشرعية على حكمهم ووظفوا فقيه السلطان لحبك النصوص المُسوّغة لذلك ويشهد التاريخ الإسلامي القديم والحديث ببراعة هؤلاء الاستغلاليين في التضليل والتبرير وهو ما شجع الغرب على توظيفهم وحثه على الإمعان في معاداة الإسلام واستصغار المسلمين.
ج- النهب الاقتصادي : نهب مقنن وشامل :
اتخذ الإمام الخميني من بلده إيران أنموذجا لبيان بشاعة العتو الغربي وبيان تغلغله في الاقتصاد الإيراني وقد تحالف الأمريكان واليهود للمسك بأزمّة الاقتصاد فصار الاقتصاد الإيراني زمن الشّاه " في قبضة الأمريكان والإسرائيليين"([13]) لقد كان هذا الاستضعاف لشعب بأسره عاملا رئيسيا في نجاح الثورة في إيران وأحكم الإمام الخميني تحليله لهذا النهم الاقتصادي الذي خلّف ثورة عارمة ضد الشاه والمتعامل معهم من دول وشركات اقتصادية ضخمة ولاشك أن رفع الإمام الخميني لشعار "ثورة المستضعفين لا يقودها إلا المستضعفون" كان نقلة نوعية في المدّ الثوري الإيراني الذي قوّض منظومة الاستغلال الهشّة لثروات الشّعب الإيراني وقد استطاع الإمام الخميني أن يراهن على إسلامية شعبه وصدقه "وإخلاصه لدينه الذي لم يأت عبر انقلاب أسود كما يحصل في الكثير من الأمم والشعوب ولا عبر ثورة بيضاء... وإنما جاء عبر تضحيات عزيزة وغالية وعبر أنهار من دماء زكية أريقت على منحى هذا الدين العظيم سعيا لتطبيقه على وجه الأرض"([14]).
د- توظيف المنظمات الدولية :
أدان الإمام الخميني أهم المنظمات الدولية وجردها من مصداقيتها واعتبرها منحازة لإسرائيل بدعم من الدول الكبرى ولاحظ أن حق الفيتو ظل سيفا مسلولا توظفه الولايات المتحدة لمواجهة كل إدانة أو انتقاد يثير حفيظتها، وهذا الدور السلبي وجه من وجوه الصلف السياسي المتنافي مع مبدإ المساواة إنه حريص على إزالة الوهم الذي تكرسه وسائل الإعلام الرسمية حول دور تلك المنظمات كاشفا قصورها وتحولها أداة في أيدي الظالمين "ولا يظن أحد أن المنظمات الدولية المشكلة كالجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان وما شاكلهما قد خطت خطوة واحدة لصالح الشعوب ولا تظنوا أنه لإدانة هذه المنظمات أي تأثير في وقف الجرائم والخيانات الإسرائيلية أو الحد منها"([15]).
هـ- زرع الكيان الصّهيوني في قلب الوطن العربي :
يتحدى الإمام الخميني الكيان الإسرائيلي الهش بتعريته وبيان تحالفه من أجل مزيد من النهب لأراضي الشعوب وثرواتها وقد أدان الصهيونية في جلّ ما كتب وفي ما صدر عنه من مواقف وشهّر بالصهيونية " التي تحكم العالم غصبا وعدوانا والتي اتخذت من الحروب والاعتداءات وسيلة للوصول إلى أهدافها وتعتبر مسؤولة عن الجرائم اليومية التي تقع في المنطقة الإسلامية"([16]) وقد نبه الإمام الخميني إلى تورط إسرائيل في النهب المقنن والشامل لا لثروات الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وإنما في جميع أنحاء العالم وخصوصا العالم الإسلامي وقد اعتبر إسرائيل "جرثومة فساد" و"دويلة فاسدة وغاصبة" و"غدة سرطانية"([17]) يتحتم استئصالها لإراحة الجسد العربي منها، ويحمل الغرب مسؤولية زرع ذاك الكيان في الجسد العربي ، فكانت فعلته كما قال الإمام الخميني " ذنبا عظيما"([18]) سبب آلاما جساما.
2- كيفية مواجهة العتو الغربي في فكر الإمام الخميني :
أ- إحداث يوم القدس في آخر جمعة من كل رمضان : توصية الإمام التي تبنتها منظمة التعاون الإسلامي :
ظلت القضية الفلسطينية محورية في خطابات الإمام الخميني وحافظت الثورة الإيرانية إلى يوم الناس هذا على هذا المكسب وقد كثف الإمام من الإجراءات الداعمة لمنظمة التحرير الفلسطينية وكانت له مراسلات مع الراحل ياسر عرفات واقترح على كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتحدوا من أجل فلسطين وورد في الخطاب الذي ألقاه احتفاء بيوم القدس الذي انطلق يوم 09/08/1979، أن " يوم القدس يوم يجب فيه أن يستعد المستضعفون لمواجهة المستكبرين"([19]). وكان الهدف من هذه الحماسة الحازمة تفعيل القضية الفلسطينية وتبنيها من قبل مليار ونصف من المسلمين وسترهب العدو، ومن اللافت للنظر أن يوم القدس يكتسي صبغة كونية لا من منطلق تدويل الاهتمام بالقضية الفلسطينية فقط والتجنّد للدفاع عن الأرض السليبة وإنما أراد الإمام الخميني من يوم القدس فرصة لثورة المستضعفين والمضطهدين على جلاديهم ومبتزي حقوقهم ولهذا السبب وجه الإمام الخميني منذ السنة الأولى ليوم القدس (1979) نداء يطلب فيه من القوى الكبرى " في يوم القدس أن ترفع أيديها عن المستضعفين وتلزم مكانها"([20]).
لقد أراد الإمام الخميني من يوم القدس بناء سدّ منيع يوقف به العيث الغربي والعبث الصهيوني ودعا إلى تكثيف المسيرات وإقامة المجالس في أنحاء العالم الإسلامي والمظاهرات في موسم الحج والحفلات والتجمع في المساجد وكان ذلك كله في إطار تجاوز إرادة العجز التي بُليَ بها المسلمون والمجاهرة بالرفض وكل ذلك موجه " ضد الاستكبار العالمي وإسرائيل بالخصوص"([21]) ولاشك أن تأجج الاحتفال بيوم القدس في جميع المدن الإسلامية سيساهم في محاصرة المغتصبين وربما تراجع خوف المسلمين من مواجهة من اعتبروها قوى ضخمة تعسر زحزحتها ولذلك ثار الخميني على هذا السلوك المتخاذل ودعا المسلمين إلى أن يخرجوا من رؤوسهم "ما يُقال من أنه لا يمكن مواجهة الدول الكبرى"([22]) وخاطب المسلمين بقوله " صمّموا على ذلك تقدروا لأنّ الله يدعّمكم ويحميكم"([23]).
ب- المقاومة الشاملة ضد أهداف شاملة :
دعا الإمام الخميني كافة المسلمين والشعوب المضطهدة إلى الثورة العارمة حتى يكون مصيرها مثل مصير الشعب الإيراني الذي أعلن ثورته ضد الاستبداد وسلب الحريات والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من العرب والمسلمين "إننا لا يمكننا فصل أنفسنا عن سائر المسلمين فكل ما قدمناه من شهداء ومعوقين ومشردين كان من أجل الإسلام ونحن لا نعتقد مصير الشعب العربي ومصائر الشعوب الأخرى منفصلة عن مصيرنا وقدراتنا"، ومما يدفع الإمام الخميني إلى الدعوة إلى الثورة عدم استجابة الأنظمة الرسمية في العالمين العربي والإسلامي لنداءاته المتكررة قبل الثورة الإيرانية وبعدها، فهو يخاطب تلك الحكومات من منطلق العالم النصوح قائلا " فيا أيتها الحكومات أخرجي من مخيلتك فكرة الاستئثار بالسلطة وفكري بصالح شعوبك"([24]) وسرعان ما ينفض يديه من تلك الحكومات المهيمنة على السلطة والثروة والمتصارعة فيما بينها والواقعة في فخاخ نصبها لها المستعمرون ترتبط بالحدود والاقتصاد والسياسة والاجتماع، والممارسة لشتى أشكال القهر والنهب للثروات الإسلامية الطائلة ولذلك فما دامت "مشكلة المسلمين قائمة في حكوماتهم المتسلطة عليهم وفي الاختلافات الحادة بين رؤسائها وأنظمتها"([25]) ومادامت تعاني اليوم كما يقول الإمام الخميني "من منافقين أكثر جرما من أهل النهروان (...) ويضربون الإسلام باسم الإسلام ويساومون أعداء الإسلام باسم الإسلام وفي الحقيقة ينهبون أموال الشعوب المظلومة المحرومة ويضطهدون أحرار الشعوب"([26]) ما دام كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع مئات الملايين من أبناء الأغلبية الإسلامية الصامتة، لزمت الثورة الشعبية أولا على مستغليها للنجاة من "مخالب هؤلاء الحكام"([27]) ووجبت المقاومة الشاملة العارمة للعتو الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لأن "مطامع أمريكا لا تقتصر على دولة واحدة أو دولتين بل إنها تريد إخضاع العالم كله لسيطرتها واليوم نعتقد أنه، يجب على المسلمين أن يتحدوا ويقفوا في وجه أمريكا وليعلموا أنهم قادرون على ذلك حيث أنهم يمتلكون القدرة على هذا الأمر والإمكانيات الموجودة عندهم كثيرة ويكفي أن شريان الحياة لأمريكا والغرب متعلق بنفط هذه المنطقة"([28]).
ومن دواعي نجاح هذه الجبهة تعلقها بالقرآن الكريم لأن له قدرة تعبوية لا حد لها وفيه دعوات صارمة لمقاومة المستكبرين ودفع المستضعفين في الأرض لإعلان ثورتهم على جلاديهم ويوسع الإمام الخميني نطاق هذه الدعوة لتشمل كل الساخطين والمحرومين في العالم لأنه لو التزم المسلمون جميعهم بالإسلام وسواء كانوا تركا أم عربا أم عجما وسواء كانوا إفريقيين أم أمريكيين أو من أي مكان كانوا فإنهم قادرون على قلب الموازين وتحقيق النصر المبين.
ج- تجنيد العلماء باعتبارهم ضمير الأمة :
يراهن الإمام الخميني في ثورته الخرساء (Guerre Sourde) ضد المستأثرين بالثروة والقرار، على العلماء الذين يمتلكون ناصية الحقيقة بعيدا عن تلاعب السياسيين ومخاتلتهم فهؤلاء العلماء المؤتمنون على شعوبهم والرافضون أن ينخرطوا في دوامة الاستبداد أو أن يتخصصوا في لعب دور الشيطان الأخرس في حضرة "الشيطان الأكبر"، إنهم قوة في التغيير وقلب الموازين ومواجهة العيث والعبث، لها في فكر الإمام الخميني كل ضمانات النجاح والرجحان لأن "الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون سدّا منيعا في وجه الأجانب والاستعمار ويمنعهم من سلب ذخائر الأمم الإسلامية هو الإسلام وعلماء الإسلام الأجلاء"، لقد حمّل الخميني علماء الإسلام شجب الظلم والتعسف وتعرية كل تحالف مع أعداء الإسلام وسيادة الأقطار الإسلامية، والتشهير بالعملاء المحليين لإسرائيل وانتهى إلى إعلان الاحتجاج الشديد على "عمليات الإعدام والقتل والإبعاد الجماعية وشجب المحاكمات الصورية وأحكامها الجائرة وشرح أوضاع البلاد والحالة المعيشية التي تعاني منها الجماهير الفقيرة الأمرين وغير ذلك من مبادرات تمس حياة الناس ومصيرهم، إن هذه كلها هي في صلب واجبات علماء الدين"([29]).
ولكن إلى أي حدّ كان علماء المسلمين –خصوصا علماء الشريعة- أوفياء للأمة، كبارا في عيون الحكام الذين استقطبوا الكثير منهم لينخرطوا في دوامة الولاء والتسويغ والتبرير !!!
لقد كرس الإمام الخميني حياته لخدمة العالم الإسلامي واعتبر الثورة الشعبية العارمة أفضل سبيل لتستردّ الشعوب سلطتها ورأى أن لا خلاص من الكرب العظيم إلا بالاستعداد بالقوة لمواجهة إرهاب عنيد مستندا في ذلك إلى قوله تعالى : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ وقد التزم بما قاله وأُشْرِبتْ قلوبُ الإيرانيين الذين أعلنوها ثورة عارمة حُبّ تلك المبادئ، ولذلك ولدت الثورة الإيرانية كما لاحظ روجيه غارودي الخوف والكراهية في الغرب (la peur et la haine) لأنها أربكته ولم تكرس العنف الثوري وإنما وظفت القوة الدينية السلمية لمواجهة القوة العسكرية والمادية واحتمت برموزها فكانت تحديا صارخا لأعتى القوى في العالم وهازمة لخامس قوة عسكرية في العالم (النظام الشاهشاهي) وكان تجاوب الشعب مع قائده وانخراطه في المسار الثوري الخلاق سبيلا إلى نجاح الثورة الإيرانية التي مرت عليها أكثر من ثلاثة عقود ولم تفلح كل محاولات التثبيط والتآمر في إفشالها أو الإطاحة بها حتى يوم الناس هذا.
II- القسم الثاني : العتو الغربي في فكر الشيخ
محمد الصالح النيفر :
يعتبر الشيخ الزيتوني محمد الصالح النيفر أحد أهم مؤسسي الحركة الإسلامية التونسية الحديثة والحاضن في بيته لعشرات الطلائع الشبابية الإسلامية التي تعلمت منه شعائر الدين ومكارم الأخلاق وشحنها لتجاهر بالدفاع عن الحق وعدم الخوف من المستبدين والجلادين وقد ظل حتى وفاته مناضلا بالقلم والعمل لا يخشى في الله لومة لائم، يندد بكل أشكال الاستفراد بالرأي ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة الموعظة الحسنة ويسخر كامل وقته لخدمة الإسلام وقضاياه لقد كانت له الجرأة المتجددة المتجذرة لتنبيه الغافلين من أبناء تونس والمسلمين إلى حقيقة المخططات الاستعمارية وتاريخ جرائمها وعدد مظاهر التهور الغربي واستهدافه لأراضي المسلمين وعقولهم وإمعانه في استنزاف خيرات الشعوب الإسلامية ولم يكتف الشيخ النيفر بالإدانة وكشف مظاهر التلبيس والتفليس وإنما سعى إلى الرد وبيان كيفية مقاومة العتو الغربي الذي يلاحق المسلمين في عقر دارهم منذ عقود كثيرة ولم يتوفقوا إلى يوم الناس هذا لإيقاف اعتداءاته وجرائمه في حق المسلمين الذين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.
1-مظاهر العتو الغربي في العالم الإسلامي :
أ- المراهنة على التبشير والتعليم :
كان الشيخ النيفر الذي واكب الاستعمار الفرنسي عن كثب في تونس متفطنا لما كان يقوم به المبشرون الفرنسيون خصوصا من نشاط منقطع النظير منذ القرن التاسع عشر من أجل تنصير أبناء المسلمين وتهيئة الأرضية الملائمة لانتصاب الحماية في تونس وقد اضطلع بهذا الدور بامتياز الأب فرانسوا بورقاد (François Bourgade) والكاردينال لافيجري (Cardinal Lavigerie) الذي تنازل للاكئيين عن معهد سان لوي (كارنو لاحقا) مقابل مال وفير لبناء كنيسة تونس (Cathédrale de Tunis) المتربعة في مستهل شارع الحبيب بورقيبة، قبالة بناية الإقامة العامة الفرنسية بتونس؟ وواصل "الآباء البيض" الذين أطرهم لافيجري وجعل لهم تنظيما لنشاطهم بحرية في تونس إمعانا في التنصير وقد تصدى جيل محمد الصالح النيفر للأبوين المبشرين سلاّم وفوكا وندد بالمؤتمر الافخارستي (1930) المنعقد بتونس، وقد كان الشيخ محمد الصالح النيفر مترصدا لنشاط مركز تبشير البروتسانت في بداية نهج الجزيرة بعد قوس باب بحر([30]). ومن مآثر الشيخ النيفر في مقاومة التبشير "دار الرضيع" التي وقى بها كثيرا من الأطفال التونسيين الذين لا سند لهم من الوقوع في أيدي المبشرين، ولذلك بيّن أن من أهم مخططات الاستعمار ما يقوم على أسلحة متنوعة وأقواها "التبشير والتعليم "([31]) وتلازم التبشير مع التعليم أملاه حرص المبشرين على تكييف من يعلمونهم بما يتماشى مع تحالف الكنيسة والاستعمار رغم صراعهما في الغرب، فالمتعلمون يعلَّمون تعاليم كاثوليكية تمهيدا لتعميدهم ثم تنصيرهم ثم يلقنونهم تعليما يخدم الأغراض الاستعمارية التوسعية.
ولذلك يعتبر الشيخ النيفر أن هذين الرافدين كفيلان بفسخ هوية الأجيال تمهيدا لإفساد الشعوب من أجل تفكيك الأمة الإسلامية حتى يسهل على الغرب احتواؤها إلى جانب التشكيك في دينها والسعي لإبعادها عن ممارسة فروض الإسلام"([32]).
ب- تجنيد المستشرقين وإتباعهم لمحاربة الإسلام
أكد الشيخ النيفر أن هذا الحرص يمتد أكثر من سبعة قرون وبين العيث الذي مارسه الأوروبيون لتمزيق أوصال المسلمين ولاحظ أن ما يثير حفيظتهم بقاء الإسلام في الكثير من الأقطار التي كانت بالأمس مسيحية تحت هيمنة القيصر فالإسلام على امتداد تلك القرون السبعة "يحاربه أعداؤه حربا لا هوادة فيها ولا ونى" وقد استولى الأغيار على ربوعه وعقدوا المؤتمرات والمؤتمرات لاقتسام تلك الربوع حتى جاءت أزمان لم تبق فيها أمة مسلمة تمتلك سلطة في بلادها ومع ذلك كله فالإسلام باق في الأمم المتنوعة والأجناس المختلفة التي اعتنقته"([33]).
وكان جم من المستشرفين أداة طيّعة في أيدي الاستعماريين ينفذون مخططاتهم ولكن الشيخ النيفر يستند في كثير من المواضع بمن يراهم منصفين عقلاء من المستشرقين الذين كان دفاعهم عن الحقيقة غالبا على أمرهم فأقروا حقائق عن الإسلام ودوره في الغرب وفضله عليه يتعمّد التكتم عنها المتعصّبون منهم، وقد ضرب الشيخ النيفر مثلا بليغا وغريبا في الآان نفسه ويتجلى ذلك مواكبته سنة 1931 لمؤتمر اللغة العربية([34]) الذي أشرف عليه المستعرب الفرنسي ولليام مارسي (William Marçais) مدير معهد اللغة العربية والترجمة بالعطارين (بمقر دار الكتب الوطنية سابقا) وكان مارسي رئيس المؤتمر "يعمل على تعويض اللغة العربية باللغة العامية لغة البلاد الرسمية وقد أشاد الشيخ النيفر بمحاضرة للشيخ الحنفي أحمد بيرم الذي فاجأ بها الجميع وأبهرت التونسيين وكان عنوانها "حياة اللغة العربية" وقد فنّد وجهة نظر مارسي ودحض حججه مما اضطرب له المستشرقون الحاضرون وأعوانهم وكانت تلك الخطبة التي اهتز لها الشعب التونسي وساندها مزلزلة لأركان المؤتمر وقاضية على غايته"([35]).
وليس غريبا أن يكون لهؤلاء تلامذة أوفياء ومنهم من أمعن في خدمة تلك المساعي على حساب الهوية والوطنية.
لقد أطلق الشيخ العنان للتعبير والنعوت النابية نكالا في هذا الرهط من الأتباع المدافعين وهم أكثر خطورة من المستشرقين أنفسهم وقد اعتبرهم الشيخ النيفر "متهالكين على أعتاب الغرب المنهارة، استحدثوا ألفاظا تملقوا فيها حضارة الغرب ولم يوفقوا حتى في تملقهم هذا ".
ج- اعتماد الحرب النفسية:
لاحظ الشيخ النيفر أن من دهاء الغرب ألاّ يشن هذه الحرب النفسية القائمة على ترسيخ إرادة العجز انطلاقا من نفسه وإنما يفعل ذلك بالوكالة وذلك باصطناع أدوات طيعة ويكون تمرير ذلك على ألسنة " أفراد منتسبين إلى الإسلام ليسهل قبوله وذلك بأن يقولوا إن الإسلام قوي في روحه ومرماه ولكن قد انتهى دوره العملي في الأحكام والقوانين".
فهذه الحرب النفسية متعددة الأغراض وبناء على ما سلف فإنها تولّد إحساسا بالقصور التشريعي ليفتح الباب أمام تشريع بديل وهو التشريع الوضعي، كما أنها تسعى إلى تسريب إحساس بالميل إلى الآخر المتفوق ولذلك سهل تحويل العالم الإسلامي المرتبك "سوقا للاستهلاك لا للإنتاج" ([36]) وذلك بالتشجيع على الترف والاقتراض واستعمال "الكميبيالات" كما يقول الشيخ النفير وهي من أهم المكبلات لشعوب تعاني من الديون الثقيلة نتيجة اللهفة على الاستهلاك معاناة حكوماتها من القروض الأجنبية المتفاقمة فوائدها مع عجز دائم في الميزانيات وسخاء لا حد له في الإنفاق على الأمن وحماية أولي الأمر.
وقد لاحظ الشيخ النيفر أن هذا الاختراق أكتسح العالم الإسلامي أمام ما يعانيه المسلمون من فراغ أخلاقي وبذلك تمكنت الحضارة الغربية من الدخول كامل المجتمعات وحتى البيوت والمخادع"([37]) لقد نجح الغرب في ذلك بتوظيفه المكثف للدعاية بواسطة كبريات الصحف ووسائل الإعلام تنضاف إليها الوسائل الرقمية.
د- فتح باب الاجتهاد العصري :
اعتبر الشيخ النيفر أن دعوة الغرب إلى فتح باب الاجتهاد العصري يهدف إلى اختراق القرآن بعنوان "حرية التفكير والتعبير" ويعتبر هذه الدعوة مقدمة لمشروع غربي يهدف إلى زرع الفتنة وتكريس فكرة الإتباع والاجتهاد في تنفيذ ما يروق للغرب ونجد هذه الفكرة واضحة المعالم في المقامة الاجتهادية التهكمية على الطريقة الهمذانية وقد نشرها الشيخ النيفر في مجلة العالم([38]) ومفادها أن جبارا "من حكومات الدنيا الجديدة الذين ضاقت بأطماعهم بلادهم البعيد عمل لاستعمار الأرضي في الطول والعرض بحثا عن الدمى المطواعة من بين العباد وقد كان قومه من الأغراب(الغرب) يمتصون من دماء المسلمين وخيراتهم والأقوام يرزحون في مذلتهم وسباتهم"([39]).
ويجري هذا الجبار حوار مع ابن الشاطئ المهمل المحتار لتتكشف ملامح الاجتهاد الغربي من أجل مزيد من العتو والاستغلال مركزا اجتهاده على مقاومة مصدر القوة في الإسلام وذلك من خلال قوله "إن هذا المارد (الإسلام) مكين القوى لا يهدّ ركنه إلا إذ جُرد من المحتوى فينحل سنده الداخلي الجبار ويبقى دون سور ولا جدار".
لقد بين الشيخ النيفر أن الدافع إلى هذا الاختراق من جهة والإقصاء من جهة أخرى جعل المسلمين بلا وزن ولا قوة وحال دون تطبيق الشريعة الإسلامية خصوصا أنها كما قال الشيخ "جامعة لشرائع الله وخاتمتها"([40]).
هـ- زرع الكيان الصهيوني في الجسد العربي الإسلامي :
لم يحرر الشيخ محمد الصالح النفير في الصهيونية أو القضية الفلسطينية كتبا أو رسائل مطولة ولكن ما قاله حول فلسطين والصهيونية في إطار حديثه عن هيئة الأمم المتحدة ينضح تنديدا وتعرية لتحالف الغرب مع الصهاينة وتورطه في المظلمة الكبرى التي لا يزال يعاني منها الفلسطينيون.
أكد الشيخ النيفر تآمر الغرب لا على عشرات الشعوب واحتلالها واستنزاف ثرواتها بل على الإنسانية قاطبة من خلال الهيمنة على عصبة الأمم المتحدة ثم هيئة الأمم المتحدة واتخاذها مطية لتحقيق أغراض سياسية تقوم على الهيمنة والاستكبار: هذا الاحتواء يتضارب مع أدنى حقوق الشعوب والأفراد.
لقد اعتبر الشيخ النيفر الصهيونية أو الكيان الصهيوني مدللا في المنتظم الأممي: ولاحظ أن هذا الجسم الغريب الذي تم زرعه وسط الجسد العربي يتمتع بأبشع الصفات المنفرة :
· فهو صهيوني النزعة
· شرس الأخلاق جمع صفات الشراسة
· عدواني الطباع والوحشية والعدوانية والشهوانية
· نهم الشهوات
وأمن في التشهير به قائلا" دللوه فتراه يصخب ويزمجر ويهزأ بقرارات هذه الجمعية التي أوجدته من عدم وأمدته ولا تزال بكل ما يحتاجه في عدوانه"([41]).
تجدر الإشارة إلى تهجم الشيخ النيفر على بعض الدول العربية التي ترفّع عن ذكرها، وهي التي تتجاهل ما فعله معها الصهاينة و"حاربها في عقر دارها وافتك من أراضيها، أخذت تبادله وتسعى إلى مرضاة هذا الكيان المدلل وتدعو له واحدة تلو الأخرى"([42]).
لا يكتفي الشيخ بالمجاهرة بعدم اعترافه بالكيان الصهيوني والتهكم من الدول العربية التي "تبادله الود" وإنما يحضّ تلك الدول بل يطالبها من منطلق العزة الإسلامية والدفاع عن الكرامة العربية([43]) إلى "طرد هذا العضو الفاسد وبتره من الأمم المتحدة".
لقد ناديت لو أسمعت يحيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ومن اللافت للنظر أن الشيخ النيفر يتمادى في إدانة المنتظم الأممي إدانة لاذعة وذلك من خلال نص يبدو أنه شارك به في أصفهان بإيران أو اكتفى بإرساله إلى محمود مكي زاد رئيس إدارة العلاقات العلمية والدولية بجامعة أصفهان وهو في الثمانين من عمره وهذا الخطاب موجه للشباب المسلم " ليتبين مسالك الهدى"([44]).
كان ابن الثمانين ثائرا غير هياب من سطوة الغرب، ثورةَ الشباب الإيراني، وقد نعت هيئة الأمم المتحدة متهكما بأنها "عصبة السوء" واعتبر "عصبة الأمم المتحدة" ثم هيئة الأمم المتحدة آلتين اصطنعهما العتوّ الغربي لممارسة الإجرام القاضي على الاعتداء على الشعوب المستضعفة، تلك التي " سُلبت منها حريتها وأموالها وأراضيها"([45]) ولا يخفى استحضار الشيخ للأراضي الفلسطينية المحتلة ولذلك طالب تلك الهيئة الدولية المتخاذلة بتنفيذ القوانين المطالبة صنيعتهم إسرائيل " بالخروج من الأراضي التي افتكها واقتطعها من البلاد العربية الإسرائيليون عن إذن وعون وتشجيع من تلك الأمم الباغية"([46]).
ولا خفاء أن زيارته إلى طهران للمشاركة في احتفال الإيرانيين بالذكرى الثالثة لنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية وتحديه لعتو أمريكا والغرب وتنديده مثلما أسلفنا بالمنتظم الأممي راعى مصالح إسرائيل ومهين العرب وعديد الشعوب واستجابته لدعوة إيرانية للحضور في احتفالات السنة الرابعة للثورة الإيرانية، كل ذلك كان كفيلا بحرمانه من السفر وافتكاك جواز سفره الذي لم يتسلمه حتى وفاته، أليس ذلك غيض من فيض العتو الغربي الذي رافقه عتو داخلي عانى منه الشيخ في تونس دون أن تلين له قناة أو ينتابه نكوص السفهاء وإن بلغ من العمر عُتيا...
2- طــــــــــرق مـــــــقــــاومــــتــــهـــــا :
أ- بتر يد اللصوصيّة الكبرى :
اعتبر الشيخ محمد الصالح النيفر أن الغرب أمعن على امتداد عقود كثيرة في استنزاف ثروات المسلمين وتعطيل ساعة خلاصهم واتهم قلب الغرب بالعتو وبمرض يعسر الشفاء منه وهو "الشره والشرّ"([47]) ورافقت ذلك غشاوة من المكر والخديعة غشّت بصره ولذلك دعا الشيخ النفير إلى بتر كل يد تروم العبث بثروات المسلمين واجتهد في تأويل قوله تعالى ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾([48]) فتجاوز حكم الآية المألوف وحمّله معنى تأويليا رمزيا يحمل في طياته صرامة الرد والحزم في مواجهة العائثين في ثروات الشعوب فسادا وقد أدان إدانة شديدة تلك الشهوانية المفرطة وتحسر على الذين يتبعون تلك الأيدي العابثة إتباعا ذليلا وغير واع وأضاف أن هؤلاء المستكبرين الطغاة لو دخلوا "جحر ضب لدخله المستضعفون تبعا لهم وتقليدا"([49]).
ب- المراهنة على القوة الربانية :
ينطلق الشيخ محمد الصالح النيفر من إيمانه العميق بالمعاضدة الربانية ومن قوتها الخارقة التي تتجسم في قوله تعالى "النصر من عند الله" وصحيح أنها قوة غير منظورة ولا تدركها حتى أحدث الوسائط الرقمية وأدقها ولكنها قوة نافذة وقالبة للموازين وذكر الشيخ النيفر بأن العرب عندما انتقش الإيمان في قلوبهم دكوا في عقود قليلة أعتى الإمبراطوريات في العالم وكانت تفوقهم عددا وعتادا.
إن القوة الربّانية لا يحسب لها في نظر الماديين حساب لأنهم يعتقدون أن العبرة في قوة السّلاح والعتاد والعباد ولكن الرّوح لها أيضا دور كبير في توجيه الجيوش واقتلاع النصر ويرى الشيخ النيفر أن الله ينصر من نصره وأنه "معكم أين ما كنتم" كما ورد في القرآن الكريم. فكيف يريد المسلمون النصر على أعدائهم وقلوبهم خلو من القرآن !!!
ج- رفــع لــواء الـــــــعـــقـــــــــــل :
كان الشيخ محمد الصالح النيفر كثير الاحتكام إلى العقل والمنطق يتجافى الهوى وإطلاق الأحكام وقد استدل في كثر من دروسه وكتاباته بنعمة العقل وكان يحث طلابه ومريديه باستمرار على إعمال العقل والمحافظة عليه مبينا أن الإسلام يصون العقل و"يرسم له سبيل التفكير السوي فإن العقل متى سيطر عليه الهوى كان أفتك سلاح بيد الإنسان وأفظعه"([50]).
إن الشيخ النيفر يتوسّل إلى جانب العقل بالمنطق والقياس ويدعو إلى التدبر في الصحوة الإسلامية الحديثة متعجلا إعلان ساعة نهاية الغرب وسلطان حضارته ويرى أن القضاء على الغرب سيكون بفضل هذه الصّحوة الشبيهة بصحوة المسلمين الأولى التي "كانت قضت من قبل على حضارتي فارس وبيزنطة"(