جاء في مجلة(جون أفريك) عدد 892 ل 8 فيفري 1978
تتخوف في هذه الجماعة من تصاعد الشعور الديني في البلاد التونسية وتلفت الأنظار
إلا أن هذا التيار أصبح حقيقة . ويستعرض من مظاهر ظهوره أنّ "عددا من الفتيات في تونس أصبحن يظهرن في الشارع وفي المدارس وحتى في قيادة السيارات " متميزات عن غيرهن "بلباسهن " الموافق لقانون الإسلام في احتشام المرأة خارج بيتها".
ويبدو أن أصحاب المقال ينكرون و يستغربون هذه الظاهرة في هذا الوقت وممن يزيد هذه الظاهرة غرابة انتشار بيوت الصلاة في المعاهد. مما يعد رجوعا إلى الإسلام "الأصلي والشديد" ويعد "رفضا لنظام الحياة الغربية".
وكانت هذه الجماعة تظن أن النظام البورقيبي قضى على التيار الإسلامي.ويظنون أن التيار الإسلامي قد انقرض و انه لا يستطيع أن يبرز ذاته . وقد بدا النظام بتقويض أركان جامع الزيتونة .وان السلط الآن أصبحت تتسامح إزاء هذا النفس الجديد للحركة الإسلامية لسببين : الإيهام بوجود حرية للتعبير ولمنع زحف الشيوعية التي يقاومها "الإخوان المسلمون مقاومة شديدة".
ولكن هذه الجماعة تخشى"وتحذر الحكومة في آن واحد" أن تنفلت هذه الحركة من يد النظام القائم وتصبح "قوة سياسية جديدة ورجعية جدا". وقد تجد تأييدا خارجيا".
هذا بعض ما استنفدناه من ثنايا هذا المقال الطويل والذي يرمي إلى أشياء أخرى كثيرة غير هذه التي اشرنا إليها.
ولكن أردت أن ألاحظ على ما استخلصته من هاته الفقرات ذلك المقال الطويل ملاحظات أقدمها إلى كتاب المقال و إلى قرائه خطرت لي حينما كنت استمع إلى ترجمة هذه الفقرات.
نسمع و نرى- فيما ينشر و ما يقال- إن بعض الناس يعملون على تقويض نظم الإسلام و محاربة تعاليمه. الناس أحرار فيما يحبون لأنفسهم و ما يكرهون .و لكن حينما يدعون غيرهم و ينشرون في الناس آراءهم أو يدعون إليها عليهم أن يستندوا في ذلك إلى مبرر تقبله العقول و ترتاح إليه الأنفس السليمة.
الإسلام نظافة كله، نظافة في البدن و نظافة في النفس و نظافة في الأعمال.المسلم الصحيح إسلامه يبتعد عن الكذب و الخداع. المسلم الصحيح إسلامه لا يأخذ مال الغير إلا برضاه .المسلم الصحيح إسلامه لا يؤذي غيره .المسلم الصحيح إسلامه لا يظلم أحدا.
و هذه القوانين يطبقها مع من وافقه في الرأي و المعتقد أو مع من خالفه في الرأي و المعتقد
.
الإسلام كون عدالة اجتماعية عمليا ظهرت فوق الأرض .قامت بين الذين امنوا به و بين الذين لم يؤمنوا به و لكن دخلوا تحت سلطانه.
و الإسلام ينهي المسلمون عن الظلم متى ظلمهم غيرهم ثم دالت الدولة و حكم المسلمون فيمن ظلموهم أن يعدلوا معهم و لا يقابلوا الظلم بالظلم كما في صريح الآية( 2) السورة( 5) و القران قوانينه التي يسطرها قوانين عملية للتنفيذ "
ومتى كانت العبرة بالنتيجة فماذا كان العرب عندما جاءهم الإسلام. كان العرب قبل الإسلام قبائل لا تجمعهم حكومة و لم تكن فيهم حضارة و لا علم و لا صناعة و إنما هي الطبيعة التي تفرضها البداوة الغالبة.
L. STODDARTيقول المؤرخ " ستودارد"
الأمريكي في كتابه" حاضر العالم الإسلامي":
جاء الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان و بلاد منحطة الشأن فلم يمض على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقا ممالك عالية الذرى مترامية الأطراف و هادما أديانا قديمة كرت عليها الحقب و الأجيال.ومغيرا ما بنفوس الأمم و الأقوام.و بانيا عالما جديدا متراص الأركان هو : عالم الإسلام
يقول هذا المؤرخ :الإسلام الذي نشأ في بلاد صحراويّة تجوب فيها شتى القبائل الرحل التي لم تكن من رفيعة المكان و المنزلة في التاريخ فلسرعان ما شرع يتدفّق و ينتشر و تتسع رقعته في جهات الأرض مجتازا الخطوب وأصعب العقبات دون أن يكون له عون يذكر من الأمم الأخرى و على شدّة هذه المكاره فقد نصر الاسلام نصرا مبينا عجيبا.اذ لم يكد يمضي على ظهوره أكثر من قرنين حتى باتت راية الإسلام خفاقة من البيريني إلى هملايا و من صحاري أو اسط آسيا حتى صحاري أواسط افريقية.
ولقد تملك العجب الكثير من الكاتبين المؤرخين من هذه النتيجة الغريبة السريعة من غير سبب مادي يفهمه الناس.
و قد جاء في الجواب عن ذلك المؤرخ انكليزي متأخرا اسمه ( ولز) في كتابه مختصر التاريخ العام " أن الإسلام قد ساد لأنه كان أفضل نظام اجتماعي و سياسي تمخضت به الأعصر".
و الواقع الذي افهمه أن الإسلام لم ينتصر على فارس و بيزنطة لا بقوة السلاح و لا بكثرة العدد والعرب المسلمون كانوا إذ ذاك اقل عددا بكثير من الأمم التي واجهوها و كانت اسلحتهم مستوردة من البلاد التي فتحوها و كانت البلاد المفتوحة على كثيرة عددها و قوة عتادها هي أرقى من العرب حضارة و مدنية وأوفر علوما بنسب بعيدة ، و لكن الإسلام أوجد في الذين اعتنقوه و آمنوا به بصدق أوجد فيهم روحا جديدة لم يعرفها العالم.
ذكر فلاسفة اليونان المدينة الفاضلة والمثل العليا و كانوا يظنون أنها صفات يتوق لها المجتمع الإنساني و يتمناها و لكن غاية البشر أن يتطلّعون للأصول إليها و ماهم بواصليها فلما رأوها عمليا مطبقة في
المسلمين – و كانت الأمم المفتوحة من قبل تحتقر العرب – فلما رأوها ما كانوا يظنونه خيالا مطبق في العرب المسلمين, تنازلوا عن عظمتهم واسلموا قيادتهم للمسلمين ليحكموهم , واخذوا و ترسموا خطاهم و خدموا لغة القرآن و علومها وأنتجوا في ذلك الشيء الكثير لان العدالة
الاجتماعية عمليا طبقت مع حكام المسلمين الصادقين وإنما قاتل المسلمون الجيوش المرتزقة وأما تلك الشعوب فكانت تفتح لهم الثغرات وتمدهم بالعون.
نعم حارب الإسلام أولئك الذين وجدوا في الإسلام كبتا لشهواتهم وردعا لباطلهم ,فهم حاربوا الإسلام والمسلمين بخداع القول والعمل ,جاء في الآية ( 12 ) السورة ( 83 )" ولا يكذب به إلا كل معتد أثيم" ,فطبيعة الخداع والظلم تفرض على أصحابها معاداة الإسلام وقوانينه ,وإما جامع الزيتونة فلا يقدر أن يقضي عليه احد بعدما نبتت عروقه عشرة قرون وانتشر صيته في العالم الإسلامي شرقا وغربا .وقد كان الاسبان استباحوه و ربطوا داخله خيولهم وهدموا إحدى سواريه ,ولكن ذهب الاسبان ورجع جامع الزيتونة ولا ينقذ العالم اليوم إلا الإسلام.
الشيخ محمد الصالح النيفر